كما عرضنا سابقاً، فإن تحقيق التوازن بين تدريس اللغة وتدريس المحتوى يعد من أهم التحديات التي تواجه أستاذ اللغة عندما يتبنى المساق القائم على المحتوى. ويرى بعض اللغويين أن هذا المساق هو أقصر الطرق وافضلها فاعلية في تعليم اللغة الأجنبية لما يميزه عن غيره بسبب سهولة تطبيقه (Krashen in Oller 1993). إلا أن هذا يتطلب أستاذ لغة مثقفاً وواعياً بالقضايا الثقافية والفكرية الراهنة وملماً بإهتمامات طلابه. وإذا كان تحقيق التوازن بين تدريس اللغة والمحتوى يمثل تحدياً فإن تصميم المحتوى من العدم يمثل التحدي الأكبر. فتحديد الإطار الذي يدور فيه المحتوى وبناء موضوعاته وتيماته لخدمة أغراض الأستاذ التعليمية وتلبية اهتمامات واحتياجات طلابه يعد أيضاً تحدياً.
كيفية إدارة الصف:
تمثل إدارة الصف والمناقشات وتنظيمها في حدود الوقت المسموح به لكل نشاط تحدياً مهماً بالنسبة للأستاذ، كذلك فإن امتلاك الأستاذ للقدرة على الصمت وعدم التسرع في إعطاء الإجابة حين يطرح أحد الطلاب سؤالاً ما وتوجيه هذا الطالب للحصول على الإجابة من الزملاء في الصف هو تحدٍّ آخر يمكن إضافته إلى القائمة. في المساق القائم على المحتوى يدير الأستاذ عملية التعلم داخل وخارج الصف. فعملية التدريس داخل الصف هي أشبه ما تكون بمباراة تِنِس بين الطالب من ناحية والأستاذ من ناحية أخرى: كل منهما يوجه للآخر الكرة في المكان الذي لا يتوقعه. فعندما يطرح الطالب سؤالاً لا يسارع الأستاذ بتقديم الإجابة بسهولة ويسر له، بل على الأستاذ أن يوجه الطالب للتفكير في الإجابة على سؤاله والاستعانة بالزملاء في تحقيق ذلك.
نشاهد في هذا المقطع مثالاً على تصحيح استراتيجي من الصف وكيف يجيب الأستاذ على سؤال طُرِح أثناء المناقشات:
ثم نأتي لعملية تقييم الطالب بعد انتهاء تدريس موضوعات المحتوى وهي تمثل تحدياً آخر لا يقل أهمية عن التحديات الأخرى حيث أنه لا يتم من خلال امتحانات تقليدية في نهاية الفصل الدراسي ولكن يفضل أن تتاح للطالب فرصة أكبر للتعبير عما وصل إليه من مستوى لغوي وفكري وثقافي وذلك عن طريق الكتابات الطويلة أو التقديمات المسجلة التي تتيح للطلاب الإبداع والتعبير عن طاقاتهم واستغلال كل مهاراتهم. وفي الواقع فإن هذا المساق من التعليم مملوء بالتحديات الممتعة والشيقة والتي تضيف دائما الكثير للأستاذ والطالب.
تصميم المحتوى:
هذا هو لب الموضوع إذ يمثل تصميم المحتوى واحداً من أكبر التحديات التي تواجه أستاذ اللغة، فهو يختار كل مواد المحتوى بصفة أساسية من المواد الأصلية التي يستخدمها أبناء اللغة في كل أرجاء الوطن العربي. ويبدأ الأستاذ بوضع تصور مبدئي عن أهداف هذا المحتوى ثم يبدأ في وضع بعض الأفكار العامة لأهم التيمات أو المحاور التي سيبني عليها موضوعات المحتوى ثم يحدد نوع الأنشطة المصاحبة لهذه التيمات ويحدد كيف سيقيّم عملية التعليم النهائية بالنسبة للطلاب.
وربما يمثل الحصول على المواد التدريسية المناسبة تحدياً للبعض، ولكن في الواقع نحن أكثر حظاً في هذا العصرالتكنولوجي من الذين سبقونا في العقود السابقة، وذلك لوجود شبكة الإنترنت وما تقدمه من مواد في كل المجالات ولكن يبقى التحدي قائماً حول كيفية تحديد الموضوعات ومعايير اختيارها وطريقة تناولها. ولكي يقوم أستاذ اللغة بكل هذا فلابد أن يكون لديه المعرفة والإلمام بالموضوع، فهو ” المدير المسؤول” عن عملية تعلم الطالب وعليه أن يقدم محتوى يتناسب وطموحات طلابه ويلبي معظم متطلباتهم.
ومع ذلك فهناك ميزة عظيمة للمساق القائم على المحتوى حيث أن هذا المحتوى قابل للتعديل والطرح أو الإضافة طوال الموسم الدراسي بما يتناسب وميول واهتمامات وقدرات الطلاب وما يستجد من أحداث وما يوفره الطلاب من آراء وأفكار حوله فهو يستوعب كل ما يستجد من أحداث أو يثار من أفكار.
وفي المقابل، يتجنب بعض الأساتذة استخدام المواد الأصلية لأنها، في رأيهم، تصيب الطالب بالحيرة أحياناً والإحباط في كثير من الأحيان لأنها لم تُنتَج خصيصاً لدارسي اللغة العربية الأجانب. ولكننا شخصياً نرى أن العكس هو الصحيح حيث تصيب بعض المواد المخصصة للدارسين الأجانب بعض هؤلاء الدارسين بالإحباط نتيجة لإستخدامها لغة مفتعلة ومواد بعيدة عن الواقع العملي وتركيزها البالغ على قواعد النحو والصرف بطريقة تنفر الدارسين الذين يدرسون اللغة العربية بهدف التواصل. وهذا يدل على أهمية الجهد المبذول في خلق هذا المحتوى بكل تفاصيله ونشاطاته لتلبية احتياجات المتعلمين.
وإليكم، في ما يلي، بعض النماذج لخطط بعض الصفوف القائمة على المحتوى والتي دُرِّست في جامعة تكساس ، ولنلقِ نظرة عن قرب على المواد التي استخدمت في هذه الصفوف:
نماذج لخطط المحتوى
التخلي عن سيطرة “الأستاذ” التقليدية:
في التعليم القائم على المحتوى يتخلى الأستاذ عن دوره التقليدي في الشرح والتلقين والإجابة على كل تساؤلات طلابه داخل الصف وذلك لاعتماده على الطالب كشريك مسؤول عن العملية التعليمية وبدلاً من ذلك يتحول إلى مدير لطيف يتعامل مع “موظفيه” ويحدد لكل منهم مهام ويوجههم لتحقيق هذه المهام على أفضل وجه. قد لا يشعر بعض الأساتذة بالراحة للقيام بهذا الدور حيث يفضل كثير منهم الدور التقليدي لهم في شرح القواعد النحوية والصرفية وتقديم التراكيب الجديدة بطريقة قد تبهر الطلاب ولكنها لا تلبي كل طموحاتهم ولا ترتقي بهم للمستوى المطلوب ولكن بعض أساتذه اللغة يفضلون هذه الطريقة التقليدية لأنها “آمنة”. أما أن يكون المدرس محاوراً ومناقشاً ومحللاً ومدققاً لموضوعات متعددة تقدم فيها اللغة بكل مهاراتها بطريقة غير مباشرة فهذا يتطلب أستاذ لغة لديه الاستعداد للقيام بهذا.
فلنشاهد هذا المقطع معاً ونلاحظ كيف يتخلى الأستاذ عن دورة التقليدي في الشرح واعطاء المعلومات.
التعامل مع تفاوت المستويات
يعد التعامل مع الفروق الفردية تحدياً يواجه الأساتذة في كل طرائق التدريس تقريباً ولكن ما قد يواجهه الأستاذ في هذا المجال هو تحدٍ من نوع آخر، ألا وهو التفاوت الذي يظهر أحياناً في مستويات الطلاب داخل الصف القائم على المحتوى لأن الطلاب يجيئون من خلفيات متعددة، وهو واقع يتعين على الأستاذ أن يواجهه. ومن خلال خبرتنا في تدريس هذه المساقات فقد وجدنا أن العمل على مساعدة الطالب الذي يُصنَّف بأنه “دون المستوى” على اكتساب الثقة بالنفس وتطوير استراتيجيات جديدة للتعلم يؤدي إلى النهوض بمستواه وإلى تعزيز أدائه داخل الصف. وتتم هذه المساعدة عن طريق اللقاءات الفردية في الساعات المكتبية وحسن التواصل مع هذا الطالب واستمراريته.
كذلك على الأستاذ أن يراعي هذا التفاوت في المستويات عند تصميم النشاطات المصاحبة للمادة الدراسية بحيث أنه قد يختار نصاً على المستوى المتفوق ولكن يقوم بتصميم أنشطة ومهام تناسب الطالب على المستوى المتقدم مثلاً إضافة الى الأنشطة المصممة لتناسب المستوى المتفوق. فقد يقرأ الطالب مقالاً سياسياً عميقاً من جريدة “الأهرام” عن سباق الرئاسة في مصر مثلاً ويقوم بنشاط صممه الأستاذ يحاول فيه الطالب أن يتكلم عن أحد المرشحين الأساسيين لهذه الانتخابات ولماذا يعتقد/لا يعتقد أن هذا المرشح له فرصة للفوز. ومن هنا نكون قد وسعنا موضوع المناقشة وأتحنا الفرصة لعدد أكبر من الطلاب لمشاركة بعضهم البعض بما فهموه من المقالة وبما جمعوه من مصادر حول الموضوع. إنها عملية مهارة من الأستاذ في كيفية التعامل مع المستويات المتفاوتة داخل الصف الواحد بتفصيل النشاطات المتنوعة للنص الواحد حسب مستوى الطلاب.