كما أشرنا سابقاً، تعتمد الأنشطة اليومية في المساق القائم على المحتوى بشكل أساسي على الحوار والمناقشة والتعاون، فيبدأ الصف عادة بملاحظات سريعة من قبل الأستاذ ليضع إطاراً لمناقشة اليوم ثم يتم تقسيم الطلاب إلى مجموعات صغيرة يتحدثون فيها عن أسئلة معدة سابقاً من قبل الأستاذ أو مجموعة من الطلاب وضع على عاتقهم مسؤولية إدارة النقاش في ذلك اليوم. فنرى في المقطع التالي مثالاً على بداية صف من النوع الثاني الذي يقوم بإدارة مناقشاته طالبان كتبا مجموعة من الأسئلة للمناقشة. فيعتبر يوم كهذا “يوم تقديم ” بمقابل يوم يقوم فيه الأستاذ بكتابة الأسئلة وإدارة النقاش العام.
لاحظنا في هذه المقدمة القصيرة من قبل الأستاذ أنه كان قد أعطى قراءات عن موضوع اليوم وهو قصة “المدوِّنة العارية” عليا المهدي كواجب بيتي في سياق المواضيع والنصوص التي قام الطلاب بقراءتها ومناقشتها في حلقات سابقة. وعملية الربط هذه ما بين النصوص والأفكار المطروحة فيها (كفكرة دور المرأة في الثورة والمشاركة في الثورة فنياً وسياسياً في آن واحد التي يشير اليها الأستاذ هنا بناء على مناقشات كانت قد قامت في الصف حول مقابلة لدلال البزري ومسرحية لسعدالله ونوس) هي من أهم عناصر الحديث في صف مثل هذا، إذ من جهة معرفية، تساعد عملية الربط هذه الطلاب على ادراك معانٍ ثقافية أشمل تكمن في النصوص،ومن جهة لغوية تكرس المفردات والعبارات المحورية التي وردت في النصوص والمناقشات أثناء الفصل الدراسي . وليست عملية الربط هذه حكراً على الأستاذ بل هي مسؤولية يشارك فيها الطلاب أيضاً. ونرى ذلك بوضوح في أسئلة المناقشة التي أعدها الطلاب خلال تقديماتهم حول نصوص مختلفة.:
نموذج لبعض الأسئلة التي ناقشها الطلاب في صف الربيع العربي:
١. تناقش علياء المهدي في المقابلة التي قرأناها عملية “كشف البكارة” التي نفذها الجيش في ميدان التحرير، ناقشوا العلاقة بين “كشف البكارة” والأفكار عن طهارة النساء الموجودة في فيلم “جنينة الأسماك” ليسرى نصرالله.
٢. هل يمكنكم المقارنة بين وضع “أدهم” في قصة “18 يوم” كشخص عربي يعيش في الخارج وأي انسان آخر قرأنا عنه في هذا الصف؟
٣. هل هذه الفيديوهات من فنانيين ثوار تنادي بالمقاومة السلمية أم المقاومة العنيفة ؟ فكروا في أفكار هذه الفيديوهات ومقولة الدكتور على حرب كما عبر عنها في مقالته ” لكل عصر ثورته ” بتركيز على موضوع العنف.
تبين هذه الأمثلة نوعية الأسئلة التي يجب أن يسعى المتعلم والأستاذ إلى صياغتها وطرحها في صف على هذا المستوى. إن السؤال المفتوح الذي يحفز من يجيب عنه على المقارنة والتجريد والتعبير عن رأيه من أهم الأدوات في تناولنا ونحن نساعد الطالب على رفع مستواه من المتقدم إلى المتفوق. أما السؤال من النوع الذي يطلب تقريراً من المعلومات وردت في النص فإنه يخلق أرضية يمكن للمتعلم أن يحاول عليها تأدية المهام الخاصة للمستوى المتفوق ، أي المقارنة والتجريد وبناء رأي والدفاع عنه، بل يبقيه على أرضية المستوى المتقدم حيث يظل يستخدم الوصف والسرد. وكما يؤكد د. محمود في المقطع التالي فلابد من تجاوز سؤال” هل” لخلق فرص للمتعلم بأن ينتج على مستوى الفقرة صاعداً إلى مستوى الخطاب.
ما من شك أن هناك نماذج متنوعة للأنشطة التي يمكن خلقها وللاسئلة التي يمكن طرحها والتي تفتح لهم الآفاق وتحفزهم على الكلام وتفعيل المفردات، كما أشار د. محمود، وستجدون لاحقاً أمثلة لنماذج مختلفة من بعض معلمي المساقات القائمة على المحتوى في جامعة تكساس. وبالرغم من التنوع بينها فتوجد أيضاً قواسم مشتركة بينها تجعل كل نموذج فعالاً ومناسباً للمستوى ما بين المتقدم والمتفوق بما أنه يدفع الطالب إلى التحليل والعودة إلى النص والتلخيص والتنظير وتبنّي موقف وهي كلها مهام لابد من تأديتها باستخدام جمل طويلة مترابطة تعيد انتاج المفردات والأفكار التي وردت بالنص . ومن الجدير بالذكر أن كل النماذج الآتية تفترض مراحل العمل في الصف بدءاً بالمناقشة في مجموعات صغيرة يتحرك بينها الأستاذ لتسهيل المناقشة أو الاجابة على بعض الأسئلة أو توجيه فكر الطلاب إلى فكرة محددة وختاماً بالنقاش العام الذي يتم فيما بعد ويسمح للطالب بإعادة كلامه أمام جمهور مختلف ومن ثم يحسن إلقاءه ويثير ردود مختلفة من زملائة ومعلمه مما يقود النقاش باتجاهات جديدة.